ستيفان زفايغ .. أديب النمسا الذى فضل الانتحار على الحياة

يعتبر ستيفان زفايغ من الكتاب النمساويين الذين انتشرت أعمالهم بشكل كبير مؤخرًا ولقت رواجًا بين القراء العرب. كما ترجمت أعماله إلى عدة لغات، خاصة كتابه “بناة العالم” الذي رصد فيه الجوانب الخفية من حياة مشاهير الكتاب، أمثال تولستوي ودوستويفسكي وبلزاك. فضلًا عن ترجمته لأعمال “بودلير” و”رومان رولان” و”رامبو”، مما جعله يصنف بكونه من أكثر الأدباء غزارة فى الإنتاج الأدبي.

إلا أن حياته كانت مأساوية للغاية وكان دائم الترحال، ولم يهنأ بالإقامة فى النمسا مع وصول الحزب النازي للحكم بقيادة هتلر وظل يتنقل بين فرنسا والولايات المتحدة حتى استقر فى البرازيل. ولكن ستيفان زفايغ لم يستطع التأقلم مع وحشية الحياة وصعوباتها لحساسيته المفرطة، فقرر الانتحار مع زوجته الثانية بعد أن كتب رسائل وداع لأصدقائه ومحبيه.

 

مولده ونشأته 

تنحدر أصوله من عائلة يهودية فى فيينا حيث ولد عام 1881. كان مولعًا بالقراءة فى فترة طفولته خاصة الأدب الروسي والفرنسي. وفى سن صغير حصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة عن أعمال الناقد الفرنسي”تين”. كما لم يتوقف عن كتابة الشعر وترجمة الفنون الأدبية المختلفة، حتى قرر الترحال عن فيينا عام 1904 كى يطلق العنان لخياله ويثري إنتاجه الفكري.

 

رحلاته العديدة

لم ينجح ستيفان زفايغ فى الاستقرار بمدينة واحدة، وإنما كان دائم الترحال. كذلك الحال بإبداعاته الأدبية فلم يستقر على أحد أشكال الفنون، بل تنقل بين معظم الفنون مثل فراشة رشيقة. حتى أنه يمكن القول موته كان فيلمًا دراميًا، فقد اختار أن ينهى حياته بعد أن استمات في الدفاع عن مبادئه.

بدأ رحلة ترحاله عندما سافر إلى باريس وأقام هناك أعوامًا كثيرة زادت عن الأربعة أعوام. وارتبط بعلاقة صداقة قوية مع أشهر الأدباء مثل”غور رومانس” الذى قال عنه “أنه أحد المفكرين السبعة الأكثر عمقًا فى أوروبا بأسرها”. بعد ذلك انتقل للعيش فى بلجيكا، وهناك تعرف على الشاعر”فرهاين” وارتبط معه بعلاقة صداقة وطيدة جعلته يقوم بترجمة حياته وأعماله لبعض اللغات فيما بعد.

وبسبب عشقه للتعرف على ثقافات الشعوب الأخرى وحياتهم تنقل فيما بعد لدول عدة، مثل إيطاليا وإسبانيا وأفريقيا وبريطانيا ودول أمريكا اللاتينية، وقضي عامًا كاملًا في الهند.

 

هروب دون عودة

 

مع صعود النازية فى أوربا وسيطرة الحزب النازى على الحكم قرر ستيفان زفايغ الهجرة من النمسا. فانتقل إلى لندن ومنها لأفريقيا ثم أمريكا الشمالية. وقد قام النازيون بتعذيب أمه حتى الموت، فقرر الهرب لفرنسا بعد أن عاش أيامًا صعبة جعلته يفقد إيمانه بالقيم الأخلاقية والسلام بين البشر. ومما زاد الطين بلة خسارة فرنسا الحرب العالمية الثانية فى بداياتها. وقال عن تلك الفترة:

“إن الزلازل قلبت بيتى ووجودي ثلاث مرات متواليات، وانتزعتني بكل عنفها المفجع من ماضي وألقت بى فى هاوية الفراغ، إنى لا أعرف أين أذهب”.

وأثناء معارك الحرب العالمية الثانية هاجر إلى أمريكا الجنوبية وتحديدًا فى البرازيل، مصطحبًا معه زوجته “إليزابيث شارلوت” والتي كانت سكرتيرته السابقة، وأقاما سويًا في منزلهما الفخم حتى حاصره الاكتئاب واليأس، ليقرر الانتحار بعد كتابة الفصل الأخير من روايته “لاعب الشطرنج”.

 

نهاية مؤلمة

 

فى شتاء عام 1942 كان ستيفان زفايغ يكتب رسائل وداع لأصدقائه يشرح لهم فيها دوافع انتحاره. وصل عدد الرسائل إلى 192 رسالة، وقال فيهم: “إنى أحيى سائر أصدقائي فليروا الفجر مرة أخرى بعد الليل الطويل، أما أنا فقد فرغ صبرى ولذا فإنى أسبقهم”. وقد تضمنت إحدى الرسائل رسالة لزوجته الأولى”فريدريك ماريا فون”.

تناول زفايغ كمية كبيرة من الأقراص المنومة مع زوجته”إليزابيث” وتعانقا عناقًا أبديًا. ولم ينس كلبه الأليف فوضع له هو الأخر كمية كبيرة من المنوم رافضًا تركه وحيدًا فى ذلك العالم الموحش.

 

إبداعاته الأدبية

رواية لاعب شطرنج

 

تتعدد مؤلفاته الأدبية والتي انطلقت من رغبته فى الغوص داخل النفس البشرية وإبراز كوامنها. وأهمها رواية “فوضى الأحاسيس”، و “رسالة من امرأة مجهولة”. إضافة لرواية “أربع وعشرين ساعة فى حياة إمرأة” انتقد بها العادات والقيود المكبلة لحرية المرأة فيما يسمى بالأخلاق. أما روايته الأخيرة “لاعب الشطرنج” شرح فيها صفات الحاكم الديكتاتور وكونه مهووسًا بالسلطة.

 

اقرأ أيضًا: مشاهير النمسا .. 5 أشخاص غيرت إسهاماتهم شكل العلم

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *